ما أكثر الحقائق الكونية التي جاء بها القرآن وأثبتها العلماء يقينًا في القرن العشرين والحادي والعشرين، وفيما يلي بعض الحقائق في بناء السماء والمادة المظلمة وغيرها.
ما أكثر الآيات التي تستحق التدبر والتفكر، وما أكثر المعجزات التي جاء بها القرآن لتكون دليلًا وشاهدًا على عظمة هذا الكتاب، وأنه لا يناقض العلم أبدًا. ففي زمن نزول القرآن ومنذ أول آية نزلت اعترض الكفار على هذا الكتاب! لقد اتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بأنه هو من كتب القرآن، وقالوا: إن هذا القرآن هو أساطير الأولين، وأن هنالك أناسًا علموا النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكتب هذه الآيات.
ويصف لنا القرآن هذا الموقف بقول الحق تبارك وتعالى على لسان المشركين: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]، وهنا نتساءل: كيف ردّ القرآن عليهم هذا القول؟ وكيف أقام عليهم الحجة، لقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه أن يقول لهم قل يعني قل يا محمد: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 6]، وكأن الله تبارك وتعالى يريد أن يخبرهم بأنهم إذا أرادوا أن يستيقنوا بصدق هذا القرآن لابد لهم أن يدرسوا أسرار الكون، فإذا ما رأوا هذه الآيات الكونية ورأوا التطابق الكامل مع آيات القرآن فهذا يدل على أن القرآن كما قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
فإذا ما وجدنا هذا الكتاب العظيم مطابقًا للعلم فهذا يعني أنه كتاب الله، وإذا ما وجدنا فيه التناقضات فهذا يعني أنه من عند غير الله، لأن الله تعالى الذي خلق الكون هو أعلم به وأعلم بخلقه ولا يمكن أن يخطئ المولى تبارك وتعالى ولكن البشر من الطبيعي أن تجد الخطأ في كتاباتهم.
وفي آية أخرى أنكر المشركون البعث يوم القيامة، وأنكروا عودتهم للحياة مرة أخرى يوم الحساب فقالوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق: 3]. أي لا يمكن أن نعود للحياة، فماذا خاطبهم الله تعالى؟ قال لهم: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6]، والفرج كما يقول الإمام القرطبي في تفسيره هو الشق، وقال أيضًا ما لها من فروج أي ليس فيها تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق، فهي بناء محكم.
عندما جاء القرن العشرين، رصد العلماء مساحة كبيرة من السماء فوجدوا أن هنالك عددًا كبيرًا من المجرات تتوضع في هذا الكون ولكن هنالك فراغات كبيرة بينها، ووجدوا أن هنالك مناطق من السماء ليس فيها أي مادة، فقالوا إن في السماء فروجًا أي مناطق فارغة ليس فيها أي مادة أو أي مجرات أو أي غبار كوني أو أي شيء آخر. وهنا حدث تصادم ظاهري بين العلم والقرآن، كما زعم بعض المشككين في ذلك الوقت، فقد قالوا إن القرآن يقول عن السماء {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وها نحن نكشف هذه الفروج في السماء، فالسماء فيها فتحات، أو فيها مناطق فارغة وهذا يناقض القرآن، ولذلك فإن القرآن ليس كتاب الله تبارك وتعالى.
عندما نتأمل هذا القول نقول دائمًا: أن القرآن هو الصحيح دائمًا، مهما تطور العلم يبقى القرآن هو الأساس، وهذا ما حدث فعلًا أنه بعد تطور هذه العلوم بدأ العلماء يلاحظون أن حركة المجرات في الكون لا تتناسب مع حساباتهم، فالمجرة التي رصدوها مثلًا ينبغي أن تسير بسرعة معينة حسب بعدها والحسابات والمجرات المحيطة بها، ولكنهم وجدوا أن هنالك مادة تؤثر بشدة على هذه المجرات فأسموها المادة المظلمة.
ولكن على الرغم من ذلك اعترض بعض المشككين وقالوا: إن نظرية المادة المظلمة هي مجرد نظرية، لم يتم إثباتها لأن العلماء يقولون إن هذه المادة لا يمكن أن ترى، ولا يعرفون ما هي طبيعتها فهي مادة مجهولة بالنسبة لهم، وقال هؤلاء المشككون: إن هذه مجرد نظريات..
ولكن وأخيرًا وفي منتصف العام 2007 تمكن العلماء من التقاط صورة للكون وصوروا هذه المادة المظلمة. ويقول علماء وكالة ناسا الأمريكية للفضاء: إن هذه الحلقة من المادة المظلمة هي حلقة ضخمة جدًّا يبلغ طولها أو قطرها اثنان ونصف مليون سنة ضوئية ونحن نعلم أن الضوء يسير بسرعة 300 ألف كم في الثانية الواحدة، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة عندما يسير بهذه السرعة الكبيرة 300 ألف كم في الثانية الواحدة. فتأملوا معي كم يقطع هذا الضوء خلال 2. 5 مليون سنة، إنه يقطع مسافة هائلة جدًّا هذه مجرد حلقة صغيرة من المادة المظلمة كشفها العلماء وصوّروها بأجهزتهم حديثًا. وهنا تتجلى أمامنا حقيقة جديدة هي أن الكون عبارة عن بناء محكم، وأن الله تبارك وتعالى قد أحكم بناء هذا الكون ووزع المادة فيه بنظام دقيق جدًّا.
لقد حدثنا الله تبارك وتعالى عن السماء في كثير من آيات القرآن: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]. ويقول أيضاَ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]. ويقول أيضًا: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 12].
وهنا لاحظ العلماء حديثًا جدًّا أيضًا أن هذه المجرات متوضعة عبر المادة المظلمة التي لا ترى ولكنها مادة قوية وشديدة وتتحكم بتوزع المجرات في الكون، أي أن المادة المظلمة غير المرئية تتحكم بما هو مرئي في الكون، وهنا قد نجد إشارة إلى أن هذه المادة قد تكون هي السماء التي حدثنا الله عنها، لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5]، والعلماء يقولون إن المادة المظلمة تملأ الكون، وهذه النجوم والمجرات والنجوم البعيدة اللامعة هي مثل المصابيح المعلقة، يسمونها في اللغة الإنكليزية Flash- Lights أي مصابيح كاشفة تكشف ما حولها من دخان وغبار وغير ذلك.
والشيء الآخر أنهم وجدوا طرقًا في هذه السماء، فقد وجدوا أن المادة المظلمة تنتشر على شكل طرق، أي أنها ليست مادة مسمطة أو كتلة واحدة، بل هي محبوكة على شكل طرق، أو على شكل نسيج، وهنا تتجلى معجزة القرآن أيضًا عندما حدثنا عن هذا الأمر فقال تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات: 7] وبعض المفسرين فسر هذه الآية بقوله: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} أي ذات الطرق، وفعلًا يقول العلماء وبالحرف الواحد: إن المادة المظلمة تنتشر على شكل طرق تتخلق فيها المجرات وتجري أشبه بطرق سريعة في مدينة مزدحمة.
ولذلك فإن هذه المادة المظلمة قد تكون هي السماء التي حدثنا عنها القرآن، والتي خاطب الله تبارك وتعالى بها الناس على لسان نبيه نوح عليه السلام عندما قال: {لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 15- 16] فسيدنا نوح يحدثنا عن سبع سماوات، والقرآن دقيق في هذه الآية، عندما قال: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ} لأننا لا يمكن أن نرى هذه السماء رؤية مباشرة، إنما نستطيع أن نراها من خلال الحسابات والأرقام والأجهزة ونستطيع أن نعرف كيف تم بناؤها، كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} تأملوا كلمة كيف، أي: أيها الإنسان ابحث في الكيفية التي تمت فيها بناء هذه السماء- كَيْفَ-، وهذا النداء الذي أطلقه القرآن قبل أربعة عشر قرنًا يطبقه اليوم علماء الغرب وهم لم يقرءوا القرآن.
ففي بحث علمي حديث لثلاثة من كبار الباحثين والذي نال جائزة كارفورد لعام 2005 وأطلقت هذا البحث الأكاديمية السويدية للعلوم يقول فيه الباحثون: إن هذا الكون يظهر غنًى في البناء أي ليس هو مجرد بناء، بل هو أكثر من بناء حتى من الذرة إلى المجرة إلى الكواكب إلى الغبار الكوني إلى كل شيء في هذا الكون تم بناؤه بإحكام عجيب، وهذا ما قاله القرآن عندما أمرنا أن ننظر ونتفكر. وخرجوا بنتيجة بحثهم أنه لا توجد أي فراغات في هذا الكون، وهذا ما قال به القرآن: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}.
لماذا ذكر الله هذه الحقيقة الكونية في كتابه؟
ولماذا حدثنا عن مادة مظلمة لا ترى؟ ولماذا حدثنا عن السماء ونحن نعلم أن السماء الدنيا هي كل ما نراه من مجرات هو ما دون السماء الدنيا؟ هنالك أناس يسمون طبقات الغلاف الجوي السماوات السبع، وهذا خطأ يقينًا، لأن السماوات السبع هي أبعد بكثير من مجال رؤيتنا، فأبعد مجرة مكتشفة ويبلغ بعدها بحدود أكثر من 20 ألف مليون سنة ضوئية، ونحن لا زلنا ضمن حدود السماء الدنيا لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 12]. وهنا يأتي الهدف! كأن الله تبارك وتعالى يقول: أيها الإنسان انظر إلى هذا الكون الذي حدثتك عنه، فإذا ما رأيت هذا الإحكام، وهذا الإعجاز الكوني يتجلى في خلق الله تبارك وتعالى، وقد حدثتك الله عنه في القرآن، فلا بد أن تدرك أن صاحب هذا الكون، هو صاحب هذا الكتاب وأن خالق الكون تبارك وتعالى هو من أنزل هذا القرآن.
كذلك فإن الله تبارك وتعالى عندما يقول: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 38- 40]. تمامًا كأن الله تبارك وتعالى يريد أن يرسل لك رسالة خفية، أيها الإنسان المشكّك: كما أن الله تبارك وتعالى حدثك عن أشياء لا تراها، وحدثك عن آيات كونية لا يمكن رؤيتها، وأنت اليوم في القرن الحادي والعشرين بعد تطور الأجهزة بشكل مذهل، وبعد اكتشاف هذه الحقائق من قبل آلاف العلماء، وذلك باستخدام مئات المراصد الكونية المتوضعة على الأرض وخارج الأرض وملايين الأجهزة من الكمبيوتر جميعها تعمل ليلًا نهارًا بهدف اكتشاف هذه الحقائق الكونية، عندما تدرك أن الله تبارك وتعالى حدثك عنها، فلا بد أن تدرك أن هذا الكلام هو قول رسول كريم، ليس كلام بشر، لأن البشر لا يمكن أن يجزموا بهذه الحقائق.
فنحن نعلم أن القرآن نزل في القرن السابع الميلادي، وعندما نجد فيه حديثًا عن السماء وأنها ذات حبك، وذات طرق، وأن الله بنى فوقنا سبع طرائق وأنه أيضًا تبارك وتعالى وصفها بأنها شديدة {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ: 12]، ويأتي العلماء اليوم ليصفوا هذه المادة المظلمة بنفس الصفات التي أطلقها القرآن قبل أربعة عشر قرنًا.
فماذا يعني ذلك؟!
إنه يعني شيئًا واحدًا: أن هذا القرآن هو كتاب من عند الله تبارك وتعالى وليس لبشر أي حرف فيه، كذلك فإن الله تبارك وتعالى يعلمنا كيف نرد على أعداء القرآن بشكل علمي، فالله تعالى يقول: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}. ويقول أيضًا: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]. ويقول أيضًا: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20].
وهكذا آيات كثيرة إنما يعلمنا كيف نخاطب غير المسلمين بلغة العلم ولغة الحقائق العلمية لأننا عندما نقول لهؤلاء العلماء إن ما تكشفونه من أبحاث عن المادة المظلمة وصفاتها قد ذكرها الله في القرآن الكريم، فهذا دليل قوي ومقنع على أن هذا القرآن كتاب الله تبارك وتعالى.
-----------------------
المراجع:
Matts Roos، Introduction to Cosmology، John Wiley and Sons، 2003.
Michael Rowan- Robinson، Cosmology، Oxford University Press، 1996.
NASA Finds Direct Proof of Dark Matter، NASA RELEASE 06- 297، August 21، 2006.
Yannick Mellier، First Glimpse of Dark Matter Distribution، Hawaii، March 7، 2000.
Jonathan Amos، Dark matter comes out of the cold، www. bbc. co. uk، 5 February 2006.
Griest، Kim. "The Search for the Dark Matter: WIMPs and MACHOs. " Annals of the New York Academy of Sciences. vol 688. 15 June 1993.
Dark Matter، www. nasa. gov.
http: //map. gsfc. nasa. gov/m- uni/uni- 101structures. html
http: //www. kva. se/KVA- Root/files/newspics/DOC- 2005217592- 1296017045- popcrafoord05eng. asp
http: //www. govertschilling. nl/nieuws/archief/2001/0105/010518- eso. htm
الكاتب: عبد الدائم الكحيل.
المصدر: موقع أسرار الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.